في اللغة : اسم فاعل من صحب يصحب فهو صاحب ، و يقال في الجمع : أصحاب و أصاحيب و
صحب و صحبة و صُحبان - بالضم - و صَحابة بالفتح - و صِحابة - بالكسر - . لسان العرب
( 7/286) .
و عرفاً : هو من طالت صحبته و كثرت ملازمته على سبيل الإتباع . جامع الأصول لابن
الأثير (1/74 ) .
و اصطلاحاً كما عند جمهور المحدثين : هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم يقظة ، مؤمناً به ، بعد بعثته
، حال حياته ، و مات على الإيمان . أنظر : فتح المغيث (4/74) و ما بعدها ، و الباعث
الحثيث (ص 169 و 172) هامش رقم (1) و دفاع عن السنة (ص 108) و الإصابة (1/6) و غيرها
من الكتب ، و من مجموع ما ذكره هؤلاء العلماء و غيرهم صغت هذا التعريف .
شرح التعريف :
قولنا من لقي النبي صلى الله
عليه وسلم : هو جنس في التعريف ، و يدخل فيه :-
من طالت مجالسته ، مثل :- أبو بكر و عمر و عثمان و علي ، و غيرهم ممن لازم النبي صلى
الله عليه وسلم ، رضي الله عنهم أجمعين .
أو قصرت ، مثل :- الوافدين عليه صلى الله عليه وسلم ، كضمام بن ثعلبة - أنظر
: الاستيعاب (2/751) و أسد الغابة (3/57) - ، و مالك بن الحويرث - أنظر : الإصابة
(5/719-720)-، و عثمان ابن أبي العاص - أنظر : أسد الغابة (3/579) و الإصابة
(4/451-452) - ، و وائل بن حجر - أنظر : الاستيعاب (4/1562-1563) و أسد الغابة
(5/435) - ، و غيرهم ممن لم يمكث مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا قليلاً .
أو رآه و لم يجالسه ، مثل :- بعض الأعراب الذين شهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع
، فإنهم رأوه و لم يجالسوه ، كأبي الطفيل عامر بن واثلة - أنظر : الإصابة (3/605) و
الاستيعاب (4/1696) ، و أسد الغابة (3/145) - ، و أبي جحيفة وهب بن عبد الله - أنظر
: الإصابة (6/626) - .
و يدخل فيه : من روى عنه حديثاً ، مثل :- مهران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم - أنظر : الإصابة
(6/232) و أسد الغابة (5/281) - ، و حسان بن ثابت - أنظر : الإصابة (2/62-64) و أسد
الغابة (2/5-7 ) - ، و سهل بن حنيف - أنظر : الإصابة (3/198) و أسد الغابة (2/470)
- .
و من روى حديثين ، مثل :- عبد الله بن حنظلة الغسيل - أنظر : الإصابة (4/65-67) و أسد
الغابة ( 3/218) - ، و حمزة بن عبد المطلب - أنظر : الإصابة (2/121-123) و الاستيعاب
(1/369-375) - ، و شرحبيل بن حسنة - أنظر : الإصابة (3/328-329) - .
أو أكثر ، مثل :- أبي هريرة ، و ابن عمر ، و ابن عباس ، و غيرهم من مكثري الرواية
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أو لم يرو شيئاً أصلاً ، مثل :- كعبد الرحمن بن الحنبل - أنظر : أسد الغابة (3/439) و الاستيعاب
(2/828) - ، و ثمامة بن عدي - أنظر : الإصابة (1/410) و الاستيعاب (1/213) - ، و زياد
بن حنظلة التميمي - أنظر : الاستيعاب (2/531) - .
و يدخل فيه من غزا مع النبي صلى
الله عليه وسلم غزوة ، مثل :- كخبيب بن عدي - أنظر : الإصابة
(2/262-264) و أسد الغابة (2/120-122) - ، و أنس بن النضر- أنظر : الإصابة
(1/132-133) و أسد الغابة (1/155-156) - .
أو غزوتين ، مثل :- مليل بن وبرة الأنصاري - أنظر : الإصابة (6/382) و الاستيعاب
(4/1484) - ، و عبد الله بن عمرو بن حرام - أنظر : الإصابة (4/189-190) - ، و عتبة
بن فرقد السلمي - أنظر : الإصابة (4/439-440) و أسد الغابة (3/567) - .
أو أكثر ، مثل :- البراء بن عازب - أنظر : الإصابة (1/278-279) و أسد الغابة
(1/205-206) - ، و سعد بن مالك - أبو سعيد الخدري - و غيرهما من مشاهير الصحابة رضي
الله عنهم .
أو لم يغزو مع النبي صلى الله
عليه وسلم أصلاً ، مثل :- حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله
عنه .
و يدخل فيه الذكور و الإناث . أما البالغون
منهم ، فباتفاق أهل الحديث .
أما غير البالغين ، فيدخل فيهم
المميزين ، مثل :- سبطا رسول الله صلى الله عليه
وسلم : سيدنا الحسن ، و أخوه الحسين ، و عبد الله بن الزبير ، و غيرهم .
و غير المميزين ، مثل :- محمد بن أبي بكر الصديق - أنظر : الإصابة (6/245-246) و أسد
الغابة (5/102-103) - ، و محمد بن ثابت - أنظر : أسد الغابة (5/83) - ، فقد حنكه النبي
صلى الله عليه وسلم بريقه و سماه محمداً ، و غيرهم ممن حنكه النبي صلى الله عليه وسلم
، و دعا له و لم يكن مميزاً .
كما يدخل فيهم أيضاً ، الجن و
الملائكة .
أما الجن : فإنهم يدخلون في مفهوم الصحابة على القول الصحيح ، و هو الذي رجحه الحافظ
بن حجر . انظر : الفتح (7/ 7 ) . و ذلك مثل :- زوبعة ، و سمهج أو سمحج ، و عمرو بن
جابر ، و مالك بن مهلهل ، و شاصر ، و ماصر ، و منشي ، و حس ، و مس ، غيرهم . أنظر
: روض الأنف (2/304) و إرشاد الساري (5/306) .
و أما الملائكة : فاختلف في دخولهم في مفهوم الصحبة ، فقد ذهب جماعة منهم إلى أنه كان
مبعوثاً لهم ، و مرسلاً إليهم ، و قد لقيه بعضهم و هم مؤمنون به ، فثبتت لهم الصحبة
، و ممن جرى على هذا القول : الإمام السيوطي في كتابه الحبائك في معرفة أخبار الملائك
(ص 211) . و رجحه القاضي شرف الدين البارزي و تقي الدين السبكي و الإمام الحافظ ابن
كثير ، و أثبت بعض الأصوليين فيه الإجماع كما في المواهب اللدنية (7/28) .
و يخرج من الصحبة بقولنا من لقي
:- من آمن به و لم يره كأصحمة النجاشي و زيد بن وهب
و أبي مسلم الخولاني و غيرهم . أنظر : محاضرات في علوم الحديث (ص 37-40) .
و إنما آثرنا التعبير بقولنا
من لقي النبي صلى الله عليه وسلم على قولنا من رأى النبي صلى الله عليه وسلم ، ليدخل
في الصحابة مثل عبد الله بن أم مكتوم ، فهو ممن ثبت
لقاؤه بالنبي صلى الله عليه وسلم و إن لم يره ، لأنه كان ضريراً .
و قولنا يقظة : فصل خرج به من لقي النبي صلى الله عليه وسلم في منامه ، فإنه ليس بصحابي
، كما جزم به البلقيني في محاسن الاصطلاح (ص 423) ، و الحافظ ابن حجر في فتح الباري
(7/ 7 ) ، و السخاوي في فتح المغيث (4/81) .
و قولنا مؤمناً به : فصل يخرج به من لقيه كافراً به ، فإنه لا يعد من الصحابة سواء أكان
من المشركين أم من المجوس أم من أهل الكتاب - اليهود و النصارى - و سواء بقي على كفره
مثل أبي جهل و أبي لهب و غيرهما من الكفرة والمشركين ، أم آمن بعد انتقال النبي صلى
الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى كرسول قيصر . أنظر : فتح المغيث (4/ 82 ) .
كما يدخل بهذا الفصل من لقيه
مؤمناً به ثم ارتد ، وعاد إلى إيمانه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم و لقيه مرة
أخرى . و هذا يدخل في مفهوم الصحبة باللقاء الثاني
بلا خلاف بين العلماء ، و ذلك مثل : عبد الله بن سعد بن أبي السرح أنظر : الإصابة
(4/109-111 ) .
و يدخل فيه أيضاً : من لقيه مؤمناً
به ثم ارتد ، و عاد إلى إيمانه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، و لم يلقه مرة أخرى
، أو عاد بعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ، كما قال ذلك ابن حجر في نزهة النظر (ص 109 ) ، مثل :- قرّة بن هبيرة
- أنظر : الإصابة (5/437-440) - ، والأشعث بن قيس - أنظر : الإصابة (1/87 90 ) - ،
و عطارد بن حاجب التميمي - أنظر : الإصابة (4/507-509) - .
كما يدخل فيه أيضاً : من آمن
بالنبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتد واستمر على ردته حتى الموت ، مثل : عبيد الله بن جحش ، الذي هاجر إلى الحبشة و هناك تنصر و مات على
نصرانيته ، و ربيعة بن أمية الجمحي ، فإنه ارتد في خلافة عمر حيث فرّ إلى بلاد الروم
، فلحق بهم و تنصر ، و ابن خطل الذي ارتد و قتل على ردته يوم فتح مكة . أنظر : الإصابة
(1/7 ) ، و محاضرات في علوم الحديث (ص 39 ) ، غير أن هذا سيخرج فيما بعد من مفهوم الصحابة
بالقيد الأخير .
و قولنا بعد بعثته : فصل آخر
خرج به من لقيه مؤمناً به قبل بعثته صلى الله عليه وسلم ، مثل : زيد بن عمرو بن نفيل ، و جرجيس بن عبد القيس المعروف ببحيرا
الراهب ، فقد عرفه و هو ذاهب إلى الشام و آمن به قبل بعثته . أنظر : الزرقاني على المواهب
(7/27) و محاضرات في علوم الحديث (ص 39 ) ؛ فإن هؤلاء لا يدخلون في مفهوم الصحابة ،
لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يكن مبعوثاً حين أمنوا به و صدقوه .
و على هذا : فما مثّل به البعض هنا بورقة
بن نوفل غير صحيح ، لأنه قد لقي النبي صلى الله عليه وسلم ، و آمن به بعد أن بعث صلى
الله عليه وسلم ، و جاءه الوحي ، و لهذا فقد جزم ابن الصلاح بثبوت صحبته . أنظر : الزرقاني
على المواهب (7/27) .
و قولنا حال حياته : فصل آخر خرج به من لقيه يقظة مؤمناً به بعد انتقاله صلى الله عليه وسلم
إلى الرفيق الأعلى ، أنظر : فتح الباري (7/7 ) و الإصابة (1/7-8 ) و فتح المغيث
(4/80 ) ، مثل : أبي ذؤيب الهذلي الشاعر - أنظر : الإصابة (2/364 ) - ، فقد رآه و هو
مسجى ، قبل أن يدفن صلى الله عليه وسلم .
و قولنا : و مات على الإيمان
: هو فصل آخر خرج به من لقيه مؤمناً به ، ثم ارتد
و استمر على ردته ، حتى الموت ، و قد تقدمت أمثلته . هذا بالنسبة لتعريف الصحابي عند
جمهور المحدثين ، وفي الحلقة القادمة يسكون الحديث عن تعريف الصحابي عند جمهور الفقهاء
والأصوليين ، و ترجيح التعريف الصحيح في ذلك .
توقفنا في المرة السابقة عند تعريف الصحابي
عند المحدثين ، و اليوم إن شاء الله ، نذكر تعر يف الصحابي كما عند الفقهاء والأصوليين
، و نتطرق بعده إلى معرفة طرق إثبات الصحبة .
ذهب جمهور الفقهاء والأصوليين
في تعريف الصحابي إلى أنه :-
من لقي النبي صلى الله عليه وسلم
يقظة مؤمناً به ، بعد بعثته ، حال حياته ، و طالت صحبته و كثر لقائه به ، على سبيل
التبع له ، والأخذ عنه ، وإن لم يرو عنه شيئاً ، و مات على الإيمان .
شرح التعريف :
قولهم : من لقي النبي .. الخ : تقدم شرح
ذلك و بيان ما فيه ، في تعريف الصحابي عند جمهور المحدثين .
و قولهم : طالت صحبته :- أي أن يكون الصحابي
قد جالس النبي صلى الله عليه وسلم و لقيه كثيراً .
و قد
اختلف العلماء في المدة التي يقال فيها طالت صحبته ، فمنهم من حددها بسنة فأكثر ، وعليه
ابن المسيب ، كما نقله عنه الشوكاني في إرشاد الفحول ( ص 70) ، وابن الهمام في التحرير
(3/66) و الآلوسي في أجوبته العراقية (ص 9) وغيرهم .
و منهم
من حددها بستة أشهر فأكثر ، كما نقله عن بعض العلماء صاحب التيسير (3/66) و الشوكاني
في إرشاد الفحول (ص 70) والآلوسي في الأجوبة العراقية ( ص 9) و غيرهم .
و قد رد على هذين القولين بما ذكره الشوكاني
في إرشاد الفحول (ص 70) حيث قال : ولا وجه لهذين القولين ، لاستلزامهما خروج جماعة
من الصحابة الذين رووا عنه ولم يبقوا لديه إلا دون ذلك ، و أيضاً لا يدل عليهما دليل
من لغة ولا شرع .
ومنهم من رأى أنها لا تحدد بمقدار ، وإنما
هي تطول بحيث يطلق عليها اسم الصحبة عرفاً .
و هذا هو القول الراجح والأصح عندهم ، وإليه
ذهب الجمهور منهم .
و قولهم : على سبيل التبع له والأخذ عنه
:- هذا قيد إنما جيء به في الحقيقة لبيان الواقع ، لأن من طالت صحبته للنبي صلى الله
عليه وسلم عرفاً لا يكون إلا على سبيل المتابعة له والأخذ عنه ، ولا يصح أن يكون قيداً
له مفهوم ، إذ لا نعلم أن هناك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من طالت صحبته
للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن متابعاً له ، آخذاً عنه .
و قولهم : وإن لم يرو عنه شيئاً :- اختلف
جمهور أهل الفقه والأصول في ذلك ، فمنهم من يشترط لثبوت الصحبة ثبوت الرواية عن الرسول
صلى الله عليه وسلم ، مثل : الشوكاني في إرشاد الفحول (ص 70) والسيوطي في تدريب الراوي
(2/112) وغيرهم .
ومنهم من ذهب إلى أنه لا يشترط لثبوت الصحبة
ثبوت الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، مثل : القاضي أبي يعلى الفراء في العدة
(ص 3/989) والآمدي في الإحكام (1/275) و السبكي في جمع الجوامع (2/179) و غيرهم .
والقول الراجح هو القول الثاني ؛ لأن القول
باشتراط الرواية لتحقق مفهوم الصحبة يؤدي إلى خروج كثير من الصحابة الذين لم تحفظ لهم
رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع اتفاق العلماء الذين ترجموا للصحابة على
عدهم فيهم . و قد تقدمت الأمثلة على ذلك في تعريف الصحابي عند جمهور المحدثين .
ومن خلال ما ذكرت نستطيع أن نقول الآن بأن
التعريف الراجح للصحابي هو ما ذهب إليه جمهور المحدثين ، و ذلك لسلامة أدلتهم و خلوها
من الانتقاد . والله أعلم .